البعد السياسي

الأزمة اليمنية بين المفاوضات السعودية الإيرانية وتغيرات الموقف الأمريكي في المنطقة

الجمعة - 24 سبتمبر 2021 - الساعة 09:50 م بتوقيت اليمن ،،،

البعد الرابع/الشارع:

أثار الإعلان، رسميا، عن مفاوضات، بين السعودية وإيران العديد من التساؤلات حول احتمالية تطور العلاقات بين الدولتين المتخاصمتين منذ عقود، وانعكاس ذلك على المنطقة وملف الأزمة اليمنية على وجه التحديد.
وتعد السعودية وإيران، أبرز قوتين اقليميتين في المنطقة، وهما على طرفي نقيض في معظم الملفّات الاقليمية. من أبرزها الصراع اليمني، حيث تقود الرياض تحالفاً عسكرياً داعماً للحكومة المعترف بها دولياً. بالمقابل تقدم طهران الدعم السياسي والعسكري للحوثيين، الذين قادوا انقلابا وحربا على الحكومة الشرعية في اليمن.
وصف الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، الأربعاء الماضي، إيران بـ"الدولة الجارة". وأعرب عن أمله في التوصل إلى "نتائج ملموسة" مع طهران في المفاوضات الجارية.
وقطعت الدولتان العلاقات الدبلوماسية في 2016. وبالرغم من دعمهما، حلفاء متنافسين في حروب بالوكالة في اليمن وسوريا ومناطق أخرى. أجرتا مؤخرا ثلاث جولات من المباحثات في بغداد برعاية الحكومة العراقية، ما بين أبريل ويونيو الماضي.
وقال العاهل السعودي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن "إيران دولة جارة، ونأمل أن تؤدي محادثاتنا الأولية معها إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة. والتمهيد لتحقيق تطلعات شعوبنا في إقامة علاقات تعاون مبنية على الالتزام بمبادئ وقرارات الشرعية الدولية، واحترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".
وأمس الخميس كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، أن المباحثات بين طهران والرياض قبل أشهر، حققت "تقدما جادا" بشأن أمن الخليج، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية "إرنا".
وقال خطيب زاده إن "الطرفين أجريا مباحثات "جيدة" بشأن العلاقات الثنائية المقطوعة بينهما منذ أكثر من خمسة أعوام. وأن التقدم بشأن أمن الخليج الفارسي كان جادا للغاية".
وتعليقا على ذلك، نقل موقع "الحرة"، عن كبير الباحثين في معهد واشنطن والمستشار السابق لدى وزارة الخارجية الأميركية، ديفيد بولوك، قوله: "الموقف السعودي يتغير إلى حد ما إلى موقف أكثر مرونة بمعنى الاستعداد لمشاورات ومباحثات متبادلة".
وأوضح بولوك، أن "إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تدفع لمفاوضات مع إيران بدلا عن سياسة الضغط التي اتبعها سلفه، دونالد ترامب".
وقال مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية في طهران، محمد صالح صدقيان، إن "هذه المباحثات المتوقفة منذ ثلاثة أشهر تقريبا ستستأنف بعد تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة. خاصة وأنه كان هناك ارتياح من الجانبين لما تم في الجولات الماضية. ولا تزال هناك رغبة من الحكومة العراقية في احتضان الجولة الرابعة".
وكانت الجولات السابقة، من المفاوضات تعقد بين مسؤولين استخباراتيين وأمنيين من البلدين، غير أن صدقيان، يعتقد في حديثه لموقع "الحرة"، أن هناك مؤشرات جيدة على أن الجولة الجديدة ستكون على مستوى أعلى، "ربما بين مسؤولين في وزارتي خارجية البلدين".
وأضاف: "ما أعلمه أن هناك رغبة في أن تكون المحادثات المقبلة على مستوى وزارتي الخارجية، خاصة بعد اللقاء الذي تم بين وزيري الخارجية في بغداد على هامش مؤتمر بغداد. والاجتماع الذي تم مساء الثلاثاء على هامش اجتماع الجمعية العامة في منزل السفير العراقي في نيويورك".
وحول ملف الأزمة اليمنية، في المفاوضات الإيرانية السعودية، يرى الباحث الأمريكي بولوك، أن أهم الشروط السعودية في المباحثات مع إيران، يتركز حول الميليشيات الحوثية في اليمن التي تهدد الأمن في السعودية. والاتفاق على وقف إطلاق النار أو على الأقل وقف الهجمات العابرة للحدود التي تستهدف المملكة. إلى الشرط الأساسي لدى السعودية، هو عودة إيران إلى التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي"
كما أشار بولوك، إلى "ضرورة توضيح الشروط المطروحة أمام طهران. مضيفا: "رسائل الملك سلمان .. مختلطة، فمن ناحية يقول إن إيران يجب أن توقف البرنامج النووي، وفي نفس الوقت هناك مجال للمباحثات بدون الحديث عن شروط واضحة".
أما صدقيان، فقال: "أعتقد أن علينا أن نتجاوز هذه النقطة، هناك غياب في الثقة بين الجانبين. علينا أن نبحث في كيفية تعزيز الثقة بين الجانبين أولا وكيف يمكن الاتفاق على الحد الأدنى من المشتركات. إذا تحقق هذان الشرطان فإن ذلك سيهيئ أرضية لمناقشة بقية الأمور والبحث في كيفية تحقيق مصالح جميع دول المنطقة".
وأضاف: "إيران طرحت برنامجا من أربع نقاط من أجل إيقاف الحرب في اليمن. حيث تعتقد طهران أن الحوار اليمني-اليمني كفيل بحل مشكلة اليمن".
وذكر، أن "الإيرانيين في جولات المباحثات الثلاث الماضية بين الرياض وطهران، أوضحوا أنهم لا يستطيعون التأثير على الحوثي، لكنهم يستطيعون أن يساهموا ويدفعوا إلى لقاء يمني- يمني".
وحول قصف المملكة بصواريخ باليستية من جانب الحوثيين الذين تدعمهم إيران، قال صدقيان: "في المقابل، الطائرات السعودية تقصف اليمن، لا توجد أهداف عسكرية تقصفها. لا أريد أن نبحث في الماضي، السلاح متوفر وموجود من حرب جنوب اليمن منذ الستينيات، المهم كيف نجد حلا للمشكلة اليمنية".
أما المحلل السعودي، سليمان العقيلي، فيتفق مع صدقيان في أن "أزمة عدم الثقة بين البلدين عميقة جدا". لكنه يرى أن هناك ما هو أكبر من ذلك، موضحا أنه "لا يمكن للإيراني أن يقول إن الحوثي غير تابع له، وخاصة أن مليشيات صنعاء تردد في كل حين أنها جزء من محور إيران الإقليمي، فضلا عن أن الأمم المتحدة أثبتت أن الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية صناعة إيرانية".
وأضاف العقيلي، أن "المخاتلة السياسية لا يمكن أن تحجب حقيقة يرددها المسؤولون الإيرانيون أنفسهم من أنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية".
وتابع: "العلاقات العربية الإيرانية تحتاج إلى المصارحة وإلى الالتزام بحسن الجوار والكف عن أحلام الطموحات الامبراطورية. وإن قيام العلاقات الدبلوماسية أمر ممكن، والمدى الذي يمكن أن تصله العلاقات الثنائية يمكن أن يكون بعيدا إذا أصبحت إيران عنصراً داعماً للأمن والاستقرار الإقليميين".
وقال بولوك، أنه "في الأزمة اليمنية، الولايات المتحدة، قلصت من مساعداتها العسكرية والأمنية للسعودية منذ قدوم إدارة بايدن في شهر يناير الماضي، ورد الفعل السعودي يناسب هذا التغيير. بمعنى أنه ليس هناك حل عسكري أو انتصار في النهاية للتحالف ضد الميليشيات الحوثية. ولذلك هناك اتجاه لحل وسط ودبلوماسي بالتنسيق مع إيران، بالرغم من أنه قد يصعب جدا تحقيقه على أرض الواقع، لكن ليس هناك بديل".
وأردف: "المباحثات الإيرانية السعودية الجارية يناسب الموقف الأميركي الجديد، ورغبة إدارة جو بايدن في أن يكون هناك تسامح وتعايش أكثر بين دول المنطقة وليس دور أميركي وسيط أو لاعب رئيسي".
مع ذلك، لا تزال السعودية تبدي قلقها من نفوذ إيران الإقليمي وتتّهمها بـ "التدخّل" في دول عربية مثل اليمن وسوريا والعراق ولبنان. كما تتوجّس من برنامجها النووي وقدراتها الصاروخية، بحسب فرانس برس.
ودعا الملك سلمان، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، طهران أيضاً "لوقف جميع أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية التي لم تجلب إلا الحرب والدمار والمعاناة لجميع شعوب المنطقة"، في إشارة الحوثيين في اليمن الذين صعدّوا من هجماتهم على مدن جنوب المملكة بواسطة الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية.
في غضون ذلك، يتوقع الباحث الإيراني صدقيان، أن "الأشهر المقبلة سوف تشهد نتائج إيجابية جدا على مستوى العلاقات الإيرانية السعودية وأيضا الخليجية والعربية بشكل عام.
أما البحث السعودي العقيلي فيرى، أنه "ليس من مؤشرات سعودية عن تطورات في الحوار السعودي الايراني؛ إلا إذا أسهمت إيران في دفع التسوية السلمية باليمن وهو أمر لا أفق له بالوقت الراهن".
فتطور المباحثات له مبادئ، بحسب العقيلي الذي يؤكد أن "المملكة تشترط لقيام علاقات طبيعية مع إيران احترام الأخيرة للسيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والكف عن تهديد الأمن والسلم".
ويؤكد صدقيان، على أن "النتائج التي تمخضت عنها الجولات الثلاث من المباحثات، رسخت قناعة عند كل دول المنطقة بأنه يجب أن يوضع حد لهذا التدافع الأمني والسياسي والعسكري في المنطقة"،
وقال: إن "الجميع بات مقتنعا أن الظروف الحالية تستدعي استيعاب ما يمكن استيعابه من التحديات وحل جميع المشاكل التي تعاني منها المنطقة سواء كان في اليمن أو العراق وسوريا ولبنان وحتى في داخل فلسطين".
وقال الباحث الأمريكي بولوك إن "كل دولة في المنطقة سواء كانت إيران أو السعودية أو إسرائيل أو تركيا كلها في مرحلة انتقالية. تتعامل مع التغيرات في الموقف الأميركي، بعد الانسحاب من أفغانستان وبعد استئناف المفاوضات مع إيران والرغبة الأميركية في دور ربما أقل مما كان عليه في الماضي في المنطقة".
ويتفق معه صدقيان، في أن الظروف التي تمر بها المنطقة تدفع لاستمرار المباحثات بين السعودية وإيران. ويقول: "مثلما رأينا انسحابا أميركيا من أفغانستان قد نرى انسحابا أيضا من العراق وسوريا. بالتالي فإن المنطقة مقبلة على تحديات جديدة، وما لم تجلس دول المنطقة، وخصوصا دول كبيرة مثل السعودية وإيران، على طاولة الحوار من أجل استيعاب التحديات سيكون له تبعات خطيرة".