أخبار وتقارير

أحمد الحشاش.. من اللا حركة إلى حركة المعنى الآخر

الأحد - 24 مايو 2020 - الساعة 12:48 ص بتوقيت اليمن ،،،

البعد الرابع | صوت انسان / عادل حمران

بحثت عن فرصة عمل في العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة. رُفض طلبي لأني مقعد على كرسي متحرك. احتياجات أسرتي ومتطلبات دراستيق تحتم أن أعمل”, يعاني أحمد علي الحشاش من نظرة المجتمع لذوي الاحتياجات الخاصة في عدن. ينحدر من أسرة محدودة الدخل لكنه بطموح لا حدود له.




في ركن من الشارع الخلفي لمديرية المعلا, وجدته فوق كرسيه المتحرك بمحله يبيع أدوات الهاتف المحمول, من السماعة والشاحن إلى الملصق والشحن الفوري وغيرها, إضافة إلى صيانته بعض الأجهزة القديمة [لا يتمكن من صيانة الحديثة]. الدخل محدود, لكنه يعين والدته وشقيقته, فيما يواصل دراسته الجامعية في قسم علم الاجتماع بكلية الآداب, جامعة عدن.




… لكنه لم يُهزَم



أحمد الحشاش مولود في عدن، 1988, بدأت معاناته منذ الخامسة. أصيب بمرض التهاب المفاصل. بحسب استشاري العظام الدكتور مدار العاقل “الروماتويدي مرض التهابي مُزمِن، يُعَدُّ من أمراض المناعة الذاتي يُمكِن أن يُؤثِّر على ما هو أكثر من المفاصل، وليس له علاج شاف حتى الآن”.


نُقل إلى عديد مستشفيات وأكثر من طبيب دون جدوى, ومن ثم “أخذتني والدتي إلى مصر, لكن النتيجة ذاتها”، يبتسم “ما عرفوش المرض. عدنا بلا فائدة. خسرنا نقودنا فقط”.


اقترح عليه خاله السفر إلى الأردن “هناك الطب أفضل وقد يدركون نوع المرض”. عجّل أحمد كرسيه قليلًا إلى الخلف “رفقة والدتي وخالي, سافرنا إلى عمّان وظروفنا صعبة”. لم يكن سهلًا “تخيل! لأجل تذاكر الرحلة, طرقنا أبواب وزارة الصحة وجهات حكومية أخرى لكنهم لم يعملوا لأجلي أي شيء. تحججوا أن مرضي ليس له علاج وحالتي مستعصية”. اجتر نفسًا عميقًا “أحرموني كل شيء”.


تلقى أخبارًا سارّة في الأردن “عرفوا المرض”, وطلبوا منه البقاء, إنما “أكملنا النقود قبل أن نكمل العلاج. طلب الدكتور مننا العودة للمتابعة, وهذه المرة لم أتمكن. ظللت استخدم بعض العلاجات. الحمد لله مضت الحياة؛ درست وتجاوزت كثيرًا من الصعوبات”.




ثانوية مريحة بقيادة ذاتية



 لم تحرمه العقبات التعليم, لم توقفه الإعاقة عن الحركة. 

أمسك دفتر حساباته وقلمًا أزرق “تأخرت في الدراسة بسبب مرضي. عام 2000, كنت في الـ12 تقريبًا، التحقت بمدارس ذوي الاحتياجات الخاصة بمديرية المنصورة. كانت حافلة المدرسة تأخذني من المنزل يوميًا. درست حتى الرابع الابتدائي”.


لاحقًا خضع أحمد لاختبار مستوى الذكاء “الحمد لله نجحت وتم تحويلي إلى مدرسة للطلاب العاديين” الذين واصل دراسته معهم في مدرسة قتبان بالمعلا.

بعضًا من شريط الذكريات “في مدرسة قتبان كانت أيّامًا صعبة. كنت أملك كرسيًا عاديًا حصلت عليه من جمعية خيرية. كان زملائي يتداولون أخذي إلى المدرسة وأحيانًا كانوا يتأخرون فلا يمر لي أحد. تارة كنت أنتظرهم في الشارع, وتارة كانوا ينسونني في المدرسة. ومرّت عليّ أيام كذلك دون تعليم إذا لم يمر أحدهم لأخذي”.



استمرت هذه المعاناة خمس سنوات. أشار إلى كرسيه “الثانوية, الصراحة كانت راحة. درست في ثانوية 14 أكتوبر القريبة من منزلنا. أهداني أحدهم كرسيًا كهربائيًا تعلمت سواقته لأتمكن من الذهاب بمفردي. جعلني هذا الكرسي أرى نفسي شخصًا عاديًا ككل الناس؛ أدخل وأخرج وأتمشى وأخدم أسرتي بشكل طبيعي”.




مشروع ومعاناة أخرى



ما إن أكمل الثانوية العامة, حتى كان لطموحه معنى آخر بخطوة أكبر قادته إلى الدراسة الجامعية. اختار قسم علم الاجتماع في كلية الآداب, ومعه بدأت معاناة أخرى “أجرة المواصلات وبُعد الطريق وصعوبة الدراسة”. من منزله إلى الكلية كان تقله إحدى الحافلات الصغيرة بمبلغ زهيد, وفي الجامعة كان يعتمد على كرسيه المتحرك. توقفت هذه الحافلة عن نقله, ما اضطره للاعتماد على سيارة خاصة, وفي ظل ظروفه الصعبة كانت أجرتها باهظة الكلفة.



قال لـ صوت إنسان: “أخفقت في الحصول على فرصة عمل في عدد من المؤسسات الحكومية والخاصة. لم أستسلم وفكرت في دراسة أي مهنة تعينيني على العمل”. قاده تفكيره إلى دراسة صيانة الهواتف المحمولة في معهد نيوهرايزن “هناك تلقيت دعمًا من إحدى المنظمات لتمويل المشاريع الصغيرة بـ 200 ألف ريال”, وبهذا المبلغ “بدأت أكون مشروعي بحقيبة هندسية وأدوات بسيطة”.



يضيف: “ثم جاء برنامج آخر ووفر لي بعض المتطلبات. تدريجيًا بدأت أتعرف على العمل. خلال فتره وجيزة استطعت توفير رسوم المواصلات ومتطلبات الدراسة”.

يشير نحو أدوات محله الصغير “بدأت أعتمد على نفسي. أذهب بهذا الكرسي لجلب الاحتياجات من محل للبيع بالجملة في الشارع المجاور, والحمد لله نجحت وتغيّر فِيّ الكثير, كما تغيرت النظرة عني إيجابًا”.



.. نشط ومواظب ومحب



أستاذة علم الاجتماع الدكتورة أمل صالح أشادت بدوره في الجامعة: “أحمد من الطلاب المتميزين في الكلية رغم إعاقته”، تستدرك “الإعاقة في نظري غير موجودة لما يبديه من نشاط وحب للعمل والإبداع في عمله. دومًا لديه أفكار جديدة. يناقشني ونحاول ترجمتها على صعيد الواقع, وأغلبها ناجحة جدًا”.


تضيف لـ “صوت إنسان”: “على الرغم أنه يتحرك بكرسي كهربائي إلا أنه مواظب على حضور محاضرته, وهو مستمع جدًا. قاعات الطلاب في الدور الأرضي لا تشكل عائقًا له وإذا تطلب أن يصعد فزملاؤه يساعدونه”.


تختم صالح “رسالتي لكل الأساتذة وأفراد المجتمع: مد يد العون لهذه الفئة, لا يقلون مهارة وقدرة عن أقرانهم. يحتاجون منا كل الدعم والرعاية والأخذ بأيديهم صوب آفاق أرحب في المعرفة والحياة الكريمة”