متابعات (البعد الرابع) غرفة الأخبار
نشر في الثلاثاء, 27 مايو,2025-01:26 مساءً
قبل قرن من الزمن تقريبا، أطلق فريق من المهندسين السوفييت صاروخا تجريبيا من ساحة قرب موسكو، في خطوة تاريخية مهدت الطريق لعهد الصواريخ والأقمار الصناعية والرحلات الفضائية المأهولة.
تم تنفيذ عملية إطلاق الصاروخ GIRD-06/1، الذي صممه فريق من المهندسين بقيادة سيرجي كوروليف، في 23 مايو/أيار 1934. وشكّلت هذه التجربة الرائدة نقطة تحوّل تاريخية، حيث مثلت البداية الفعلية لتكنولوجيا المحركات النفاثة في مجال هندسة الصواريخ السوفيتية.
وهكذا بدأ سباق الفضاء الحقيقي – بصاروخ كروز صغير وفكرة عظيمة.
يُذكر أنه في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين، بلغت صناعة الطيران ذروة تطورها ضمن الإمكانيات التقنية آنذاك، حيث وصلت محركات المراوح إلى الحد الأقصى لقدراتها. وفي هذا السياق، انهمكت مجموعة (GIRD) – مجموعة دراسة الدفع النفاث – في البحث عن حلول مبتكرة لهذه المعضلة التقنية. وقد توصلت المجموعة إلى أن الحل الأمثل يكمن في اعتماد المحرك النفاث، الذي يُنتج قوة الدفع عبر انبعاث الغازات بدلا من الاعتماد على مبدأ دوران المروحة التقليدي.
وقد اتضح لكوروليوف أن الصواريخ المجنحة لن تكون أسلحة فقط، بل ستكون بداية لمركبات الفضاء المستقبلية.
تجدر الإشارة إلى أن صاروخ GIRD-06/1 بلغ طوله مترين ووزنه قرابة 30 كيلوغراما. اعتمد التصميم على جناح شبه منحرف مع ذيل عمودي مزدوج الأجنحة. أما نظام الدفع فاستخدم وقودا هجينا يتألف من الأكسجين السائل (المؤكسد) ومسحوق البيتومين (الوقود الصلب)، حيث تمكّن المحرك من توليد قوة دفع تقارب 80 كيلوغراما.
وقد زُوّد الصاروخ بنظام جيروسكوبي متطور للحفاظ على الاستقرار والتوجيه أثناء الطيران. هذه التقنية الرائدة شكلت لاحقا الأساس لنظم التحكم بالقصور الذاتي في الصواريخ الحديثة.
واستغرقت رحلة الصاروخ بضع ثوان فقط، ارتفع خلالها إلى 150 مترا وحلق حوالي 200 متر. وكان هذا كافيا، حيث أكد للمصممين عمل المحرك، وعمل نظام التثبيت، ووفرت الأجنحة الرفع اللازم.
واستنادا إلى هذه النتائج أجريت تعديلات على GIRD 06/2 و 06/4 وزيادة الوزن إلى 210 كغم، والمدى إلى 50 كيلومترا. وكانت إحدى النسخ تحمل رأسا حربيا يزن 30 كيلوغراما. وهكذا تحول الصاروخ تدريجيا من تجربة إلى سلاح.
وقد أدت هذه النتائج والتطويرات إلى صنع أول محركات الوقود السائل والصواريخ الموجهة والصواريخ الباليستية، ومركبة فوستوك، التي حملت غاغارين في رحلته الشهيرة.
والجدير بالذكر أن البرنامج الصاروخي السوفيتي لم يظهر فجأة، بل كان ثمرة تطور تدريجي بدأ بنماذج خشبية بدائية ومحركات بسيطة وأفكار غير تقليدية – وهي رؤية سبقت عصرها بكثير. وقد مثّلت الرحلة الأولى لصاروخ GIRD-06/1 بالنسبة لكوروليف وفريقه أكثر من مجرد اختبار تقني، بل كانت اللبنة الأولى لمسار طويل قاد إلى إطلاق مركبة فوستوك والأقمار الصناعية وتأسيس صناعة فضائية متكاملة.
ومن أهم إنجازات كوروليف في هذا المسار تأسيسه لمركز علمي متخصص، ما زال حتى اليوم يشكل القلب النابض لعلوم الفضاء في روسيا.