صحافة دولية

معركة المعادن النادرة.. كيف تتغلب أمريكا على الصين دون تقليدها

الأربعاء - 02 يوليو 2025 - الساعة 01:18 م بتوقيت اليمن ،،،

وكالات ( البعد الرابع) غرفة الأخبار



نشر في الأربعاء,2 يوليو ,2025-01:17 مساءً


احتلت إمدادات المعادن النادرة موقعاً بارزاً في المفاوضات التجارية المعقدة التي أجراها الرئيس دونالد ترامب مع الصين، حيث تعكس مركزية هذه القضية حقيقة مزعجة مفادها أن الصين تهيمن بالكامل على هذا القطاع الحيوي، وهو ما يمنحها اليد العليا في هذا الملف الاستراتيجي.



ولا تكمن المشكلة في هيمنة الصين على الإنتاج فحسب، بل أيضاً في سيطرتها على البنية التحتية للأسواق التي تحدد الأسعار العالمية، وهو ما يضع الولايات المتحدة وحلفاءها خارج دائرة المنافسة.

ومع تزايد هذا التحدي، تتعالى الدعوات للتدخل الحكومي في هذا المجال من خلال ضمانات متنوعة، تبدأ بإنشاء مخزونات استراتيجية من معادن قاع البحار وتصل إلى التعهد بشراء إنتاج الشركات المحلية.

غير أن هذه الأدوات، رغم جدواها المحتملة، تنطوي على مخاطر ترسيخ عدم الكفاءة، وتشويه الحوافز الاقتصادية، واستبدال ديناميكية السوق بنموذج التخطيط المركزي.



ويمكن للحكومات دعم الأسواق ليس من خلال انتقاء الفائزين، بل بجعلها أكثر استدامة، وذلك من خلال إعادة بناء البنية التحتية التي تدعمها وسلاسل التوريد المرتبطة بها، بدءاً من العقود المرجعية التي تضمن شفافية الأسعار، والبورصات التي تساند عمليات الإنتاج والنقل والتخزين، وصولاً إلى توفير السيولة اللازمة لتقليل مخاطر الاستثمار وتعزيز استقرار القطاع.

ولعل حالة شركة «ألبيمارل»، أكبر شركات الليثيوم الأمريكية، خير دليل على هذا التحدي، فقد استبعد رئيسها التنفيذي إمكانية بناء أكبر مصفاة ليثيوم في البلاد، موضحاً أن الحسابات الاقتصادية ببساطة لا تجدي نفعاً – فالأسعار متدنية للغاية والسوق يعاني من تقلبات حادة.

ولم تكن قبضة الصين على البنية التحتية لسوق المعادن الحيوية وليدة الصدفة، ففي أعقاب الأزمة المالية العالمية، دفعت الإصلاحات التنظيمية ذات النوايا الحسنة رؤوس الأموال بعيداً عن أسواق السلع الغربية، مما شكل فراغاً استراتيجياً كان بمثابة الفرصة المثالية التي احتاجتها بكين لتفرض نفسها صانعاً جديداً للسوق العالمية.



وتحركت الصين بسرعة وحسم، فأنشأت بورصات محلية لتعزيز نفوذها التسعيري، وأطلقت عقوداً معدنية جديدة ضمن البورصات القائمة.

وخلال عام واحد فقط، تفوق عقد النيكل في بورصة شنغهاي على بورصة لندن للمعادن من حيث حجم التداول.



وبفضل شبكتها من التجار المدعومين حكومياً، وسلاسل التوريد المتكاملة عمودياً، واتفاقيات الشراء طويلة الأجل، باتت الصين اليوم تضع قواعد اللعبة في العديد من أسواق المعادن العالمية.



وتتبع بكين استراتيجية في غاية البساطة والفعالية: تقبل الخسائر على المدى القصير لإخراج المنافسين من السوق، ثم الهيمنة على صادرات المنتجات النهائية عالية القيمة المضافة مثل البطاريات، وفي ظل تشوه الأسعار الناجم عن الإفراط المتعمد في الإنتاج، تجد الشركات الأمريكية نفسها في صراع مستمر لاستقطاب الاستثمارات أو حتى الحفاظ على استمرارية عملياتها.

ويمكن توضيح هذه المعضلة من خلال مثال منتج الليثيوم الأمريكي الذي يورد منتجاته لإحدى شركات السيارات الأمريكية، فعلى الرغم من كون هذه الصفقة محلية بالكامل، إلا أن قيمتها التعاقدية ترتبط بسعر مرجعي ينشر في آسيا وتشكله ديناميكيات السوق الصينية حصراً، ما يعني أنه في حال قررت الصين إغراق السوق بالمعروض، سينهار السعر المرجعي – وبالتبعية إيرادات المنتج الأمريكي، وهكذا، وحتى دون المشاركة المباشرة في الصفقة، تتمكن الصين من التحكم في اقتصادات المنتج والقضاء على المنافسين بأدوات السوق نفسها.

وهكذا، يزداد الطلب من المشترين والبائعين على أسواق شفافة ومنضبطة بقواعد واضحة.

ولهذا الغرض، اقترح النائب روب ويتمن، الرئيس المشارك للجنة المختارة المعنية بالصين في الكونغرس، إنشاء احتياطي استراتيجي يقوم بتمويل الوسطاء العاملين في شراء وتخزين وبيع المعادن، ما يعزز السيولة في السوق، ويحقق استقرار الأسعار، ويمنح المستثمرين الثقة لبناء سلاسل توريد مستقلة عن الصين.



وينبغي أن يتمتع هذا الاحتياطي الاستراتيجي للمرونة، الذي دعت إليه سابقاً أرناب داتا من مؤسسة «إمبلوي أمريكا»، بأدوات إضافية متنوعة: كالقدرة على تقديم الائتمان أو خدمات التأمين لموفري السيولة والاستثمار في البنية التحتية للتخزين، كما ينبغي أن يكون مؤهلاً للعمل كمشترٍ أخير عند انهيار الأسواق، على غرار ما قام به الاحتياطي البترولي الاستراتيجي حين تدهورت أسعار النفط إلى مستويات هددت استمرارية الاستثمارات خلال الفترة 2023 – 2024.

ويتطلب نجاح إدارة المعادن الحيوية نهجاً لا يقلد النموذج الصيني ويستهدف استعادة مؤشرات الأسعار الحقيقية، ويجذب رؤوس الأموال، ويفسح المجال للقطاع الخاص لقيادة جانب العرض بدلاً من التدخل الحكومي المباشر.

غير أن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب تنفيذ السياسات من قبل مؤسسات موثوقة ومحصنة ضد تقلبات الدورات السياسية، ما يستدعي هيكلة احتياطي استراتيجي مرن على غرار الاحتياطي الفيدرالي: تكنوقراطي في إدارته، مستقل في قراراته.



وفي غياب أسواق فاعلة للمعادن الحيوية، ستواجه الشركات الصناعية الأمريكية ارتفاعاً في تكاليف المدخلات، واضطرابات في سلاسل الإمداد، وتعاظم الاعتماد على شركات أجنبية مدعومة حكومياً، فالنموذج الصيني ليس مجرد نموذج غير مرغوب فيه – بل هو غير قابل للتطبيق في منظومة اقتصاد ليبرالي، إذ لا يمكن التغلب على رأسمالية الدولة الصينية من خلال استنساخها، وإنما عبر إعادة بناء الأسواق التي سعت بكين جاهدة لتفكيكها.