البعد الرابع | اوراس الحو
غالبا ما يستدعي نمط الحياة العصرية التماهي مع سرعته ومتطلباته التي أصبحت أكثر تعقيداً خلال سنوات الحرب الست، ولربما لا يمتلك الشباب الوقت الكافي للتعبير عما يدور في أنفسهم من هموم وآمال ومطالب عن طريق التظاهرات أو الاعتصامات السلمية المنظمة أو غيرها من طرق، إلا أنهم في زجاج المركبات منصة لإطلاق هتافاتهم وللاحتجاج بصورة صامتة.
أبعاد مختلفة
أثناء الانتظار وأوقات الازدحامات الطويلة التي تمتد لساعات، يُتاح لك المجال لرؤية ما هو مكتوب على المركبات المختلفة التي يقودها الشباب، سواءً المارة أو العالقة على الطريق، وقد تحمل بعض العبارات مثل: “زوجوه يعقل، رخيص مضمون ولا غالي مديون، تعبنا سياسة”، أبعاداً مختلفة على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي تدفع الشباب إلى التنفيس عن مشاعرهم ومخاوفهم وطموحاتهم وتذمرهم من الواقع بالإضافة إلى تلخيص تجاربهم في الحياة بكلمات محدودة مدونة على هيئة حكم أو طرائف أو شعارات.
مواقف على زجاج
ومازال الشباب يعيشون أوضاعاً صعبة مع ما تشهده البلاد من تذبذب وعدم استقرار في مختلف النواحي، فالفقر وشحة فرص العمل وتدهور العملة المحلية وارتفاع الأسعار يزيد من العبء المُلقى على عاتقهم، كما أن مشهد النزاعات السياسية يؤرق تفكيرهم ويدفعهم لإبداء الرأي بشكلٍ ما. وفي سياق آخر تنتشر شكاوى الغدر والخيانة وتأخذ المواقف المجتمعية في الحياة اليومية حيزاً كبيراً من كتابة العبارات على المركبات لاسيما بما يتعلق بالصداقات وعلاقات الأهل والجيران وزملاء الدراسة أو العمل، ومن تلك العبارات: “اللهم ارزقهم ضعف ما يتمنوه لي، عضة أسد ولا نظرة حسد، دمي ولا دمعة أمي“.
تحمي من الحسد والعين!
وإذا اتفق الشباب على تدوين العبارات على زجاج السيارات والباصات وهو ما يظهر بوضوح كسلوك متَبع وشائع في مدينة عدن، إلا أن القالب المستخدم يختلف من مركبة إلى أخرى، حيث يسجل مرتادو المركبات العبارات على نمط الحكمة أو النكتة أو الشعر أو “القفشات” مثل: “هدف حياتي طلع تسلل، لو كانت الحياة بدون مكياج كان المهر كرتون بيض“، ويصيغونها بأساليب متعددة تتنوع ما بين انتقاد و سخرية ودعابة وغيرها، ولا يقتصر على ذلك فحسب، حيث إن الهوية الدينية تمتلك نصيباً كذلك يتمثل في عبارات الدعاء والرجاء والأذكار التي يحبذها البعض و يكتبها البعض الآخر ظناً بأنها ستحميهم من الحسد والعين.
ضد تحويل السيارة إلى سبورة
وفي هذا الصدد تقول رنيم باوزير، وهي طالبة جامعية: “أنا ضد تحويل السيارة إلى سبورة ولكني أفضل كتابة العبارات المختزلة التي تحمل مواقف الحياة اليومية، وعلى العموم الكتابة على المركبات ظاهرة توسعت بصورة كبيرة في مدينة عدن، تثير الانتباه والمتابعة وتلامسنا على المستوى الشخصي في بعض الأحيان، وليس بالضرورة أن تعبر الجمل والكلمات عن كاتبها أو عن موقف مر به، فغالبا ما يضعها لأنها أعجبته”.
عندما تسنح الفرصة
وعلى إثر ذلك تصف أستاذ مساعد في قسم علم الاجتماع بجامعة عدن، أمل صالح سعد، الإنسان بأنه “كائن مدني اجتماعي تواصلي يرفض الخضوع أو الكبت، يحب أن يوصل رسالة ويتفاعل مع الرسائل الأخرى وترتكز حياته على التفاعل والتواصل الاجتماعي مع الآخرين”، وقالت: “على مدى تاريخ الإنسان الطويل استخدم صنوف مختلفة للتعبير، نتيجة لحواجز عديدة إن كانت سياسية أو عقائدية أو ثقافية، حيث يلجأ للتعبير بأشكال مختلفة، كالرسم الكاركاتيري أو الوشم أو بالتعليقات الساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وما نشاهده من تدوينات على خلفية المركبات من عبارات قد تدعو إلى الاحتجاج ضد واقع سيء أو التقليل من المهور وقد تدعو إلى التقليل من ارتفاع الاسعار، هذه الظواهر تدل على قدرة الإنسان ورغبته في التعبير عند سنوح الفرصة له.
فضفضة
من جانبه يرى الشاب رائد شائف العبارات المدونة على واجهة السيارات والباصات والمركبات العامة مساحة للتنفس و”الفضفضة” عن ما يجول بخواطر الشباب من مشاعر ونحوها، وهي طريقة تعبير تأخذ منحىً تصاعدي ولافت، ويؤيد استغلال الظاهرة لإيصال الرسائل التوعوية والإرشادية عوضاً عن نشر عبارات ليس لها معنى ولا فائدة مرجوة منها.
ويخشى رائد أن تكون المركبات مكاناً خصباً لاستعراض الكلمات والعبارات الهابطة وحشو أفكار الشباب ببعض المصطلحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع!
ومن بين الحلول أقترح رائد أن يتم وضع ضوابط تقنن هذا الجانب وتحدد طريقة وأسلوب ومحتوى عرض العبارات وجعلها تتماشى
وبيئة وقيم المجتمع، بل وتساعد على إيصال افكار هادفة لمن يقرأها من أبناء المجتمع المحلي.