وكالات ( البعد الرابع) غرفة الأخبار
سانشيز (يساراً) يحظى بتصفيق أعضاء البرلمان الأسبوع الماضي بعد إعلانه أن إسبانيا ستعترف بدولة فلسطين |
أرشيفية
سانشيز (يساراً) يحظى بتصفيق أعضاء البرلمان الأسبوع الماضي بعد إعلانه أن إسبانيا ستعترف بدولة فلسطين |
رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، إذ يرفع النبرة في انتقاده لطريقة استجابة أوروبا لحرب غزة باعتبارها «فشلاً»، توسع باب الجدل المحتدم أساساً والمعبر عنه بأصوات باتت أعلى في انتقاد إسرائيل، فضلاً عن الإعلانات المتلاحقة بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
هذا الخطاب، من عاصمة عضو مركزي في الاتحاد، حوّل الاتهام الأخلاقي إلى أجندة سياسية عملية داخل بروكسل، حيث يقول سانشيز، لصحيفة «الغارديان» البريطانية، إن ازدواجية المعايير بين أوكرانيا وغزة تهدّد مصداقية الغرب عالمياً، مع دفع داخل مؤسسات الاتحاد لتعليق الشراكة الاستراتيجية مع إسرائيل.
سانشيز، الذي يعد أول زعيم أوروبي كبير يتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، يعتبر أن رد الفعل على الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين تمثل أحد أحلك فصول العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين.
وإذ يعرب سانشيز عن سعادته بتوجه دول أوروبية أخرى للحذو حذو إسبانيا في الاعتراف بدولة فلسطين، فإنه يعترض في الوقت ذاته على ضعف الاستجابة الأوروبية للأزمة. ويؤكد أن هذا التردد يشكل فشلاً ذريعاً.
قبل سانشيز، حذّر وزير خارجية النرويج، إسبن بارث إيده، من أنّ الغرب «يبدو كمن ينتقي تطبيق القانون الدولي» فيما يتعلق بـ«روسيا – أوكرانيا مقابل إسرائيل – غزة»، بما يبدّد الثقة في خطاب القيم ويقوّض النفوذ الغربي.
وفي يونيو الماضي، تحدثت صحيفة «واشنطن بوست» عن تحوّل أوسع في أوروبا فيما يتعلق بالمواقف من إسرائيل، مشيرة إلى حديث ماكرون صراحة عن «المعايير المزدوجة»، وأصوات في ألمانيا تراجع شيكات الدعم المفتوحة لإسرائيل.
عندما يصبح خطاب الازدواجية «تياراً سائداً» لا مجرد اعتراضات متناثرة، تتغير تكاليف القرار في عواصم أوروبية، وقد يمتد أثره من التصريحات والبيانات إلى عملية تصويت داخل مجلس الشؤون الخارجية والبرلمان الأوروبي، ما يفتح الباب أمام أدوات ضغط كانت «محظورة سياسياً» في أوقات سابقة.
ومن ذلك دعوة مدريد لتعليق الترتيبات مع إسرائيل باعتباره إشارة مباشرة إلى أن ملف «اتفاقية الشراكة» لم يعد خطاً أحمر. كما أن التحذيرات النرويجية تأخذ هذا المسار إلى خارج الاتحاد، ومفادها أن صورة «الغرب المنافق» تُضعِف اصطفاف الجنوب العالمي مع رواية كييف بشأن الحرب، ومن ثمّ تضغط على الأوروبيين لتصحيح الكفّة في غزة لاستعادة رأس المال الأخلاقي. وهذا يولّد مساحات مناورة أقل لإسرائيل في المؤسسات متعددة الأطراف.
وبرزت ألمانيا، وهي الركن الصناعي والأمني الأوروبي، بقرارها تعليق صادرات سلاح لإسرائيل، كمؤشر على ترجمة الانتقاد السياسي إلى خطوات عملياتية، حتى لو كانت انتقائية أو مؤقتة.
نقطة تحول
أما «نقطة التحول» التي رصدتها «واشنطن بوست» فإنها تعني أنّ انتقاد إسرائيل لم يعد مقتصراً على الكلفة السياسية، فعندما يتحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومحافظون ألمان عن حدود القوة والغاية، تصبح مساحة المناورة الإسرائيلية أضيق في تمرير ما تصفها «ضرورات الحرب» من دون خطة واضحة لـ«اليوم التالي».
تراكم المواقف من جانب إسبانيا، بلجيكا، ثم النرويج، وانزياحات باريس وبرلين، يرفع احتمالات طرح أدوات أوروبية عملية، كتفعيل بنود حقوق الإنسان في اتفاقية الشراكة، وتشديد تدقيق السلاح وقطع الغيار.
وربما فرض قيود على منتجات المستوطنات أو إجراءات قضائية ودبلوماسية داعمة لمسارات المحاكمات القضائية في لاهاي. وكانت هذه خيارات مطروحة نظرياً، وباتت «قابلة للتصويت».
لذلك يمكن القول إن المعادلة تغيّرت بمستوى لافت، إذ لم يعد انتقاد إسرائيل في أوروبا مكلفاً سياسياً، وكل يوم إضافي من حرب بلا مسار، يزيد احتمالات اتخاذ إجراءات أوروبية ملموسة على صعيد السلاح والتجارة والقضاء والاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما يعني أن كلفة استمرار الحرب بلا مسار سياسي ترتفع على إسرائيل، أقلها عزلة أعمق في أوروبا